مطر عضو نشيط
عدد المساهمات : 31 تاريخ التسجيل : 24/08/2009 العمر : 50
| موضوع: حالنا ولغتنا العربية الأربعاء نوفمبر 18, 2009 3:14 pm | |
| إن أكبر محنة تعرضت لها اللغة العربية في القديم والحديث هي محنة الازدواجية اللغوية بين الفصحى العامية في العالم العربي , فها هي العامية بلهجاتها المتعددة تزاحم الفصحى في كل قطاعات الحياة . لقد وعد لله تعالى بحفظ اللغة بحفظه للقرآن , ولكن هل حفظت الأمة لغة القرآن ؟ لا والله لم تقدم الأمة لهذه اللغة الشريفة ما قدمته لنا ولم نحفظها كما حفظت لنا تراث الآباء والأجداد , بل إننا لم نحاول أن نقف بجدية أمام عاصفة العامية والمفردات الأجنبية . فما حال لغتنا الآن , سوف أتحدث عن اللغة وقتنا الراهن في كل من
الأسرة والمجتمع ثم في مؤسسات التعليم ثم في وسائل الإعلام
اللغة في الأسرة والمجتمع :
فنقول : اللغة عند الطفل تبدأ اكتسابا من الأسرة , فالطفل ينطق ويحاكي والدية , ثم لغة المحيطين به , وفي خلال السنوات الثلاثة الأولى تستكمل المعرفة عنده بمجموع أصواتها ونظام بنيتها ومفرداتها , ويظل الطفل حاملا لنطق الحروف وطريقة بناء الجملة حتى يصير شابا جامعيا , حيث تبقى راسخة في ملكته .
إننا إذا أمعنا النظر في وضع الأسرة في الوطن العربي بصفة عامة وجدنا أن الأسرة العربية في العصر الحديث تختلف عن الأسرة في المجتمع العربي القديم من حيث الاهتمام بلغة الأبناء وذلك ناتج عن تلك المتغيرات الاجتماعية التي ابتليت بها أسرتنا الحاضرة , لذلك كأن للأسرة دور مهم في ترسيخ الفصحى وتعميقها فالوالدان من المجتمع الذي ينقسم إلى قسمين : قسم أمي عام يستقل بلغته العامية التي تتسع الهوة بينها وبين فصيح الكلام فاذا تحدثت معهم بالفصحى يقولون لك تكلم عربي
والقسم الثاني جمهور مثقف خاص مرزوء بلغتين عامية وفصحى تنازعانه فيما يلفظ من قول وما يرسل من تعبير فإذا تحدث بالفصحى وجد الهمز واللمز ووقع في الحرج الشديد فيضطر إلى تركها . وأبناء الصنف الأول هم الذين لا يجيدون نطق الحروف صحيحة ولا يقيمون جملا تعبيرية صحيحة فينطقون الذال زايا والثاء تاء
وأبناء الصنف الثاني إما أن يثبت أمام هذا العبء , فيحاول أن يعلم أولاده ما يقيم لغته , وإما أن يهرب من هذا بإلحاق أبناءة بمدارس خاصة تعلم اللغات الأجنبية , ومن جوانب قصور الأسرة تجاه لغتها ما يلي 1 – عدم تعويد الطفل على سماع الفصحى والتحدث بها , لأن الطفل يقلد ما يسمع ويحاكي , ولذلك لأبد أن يتعلم الطفل في محيط الأسرة التحدث بالفصحى فيتعلم لغويا كيف يشكر وكيف يسلم وكيف يرد السلام , ويتعلم كيف ينطق بالفصحى ما يجده في الحياة بدءا بأدوات الأكل والشرب والملابس وغير ذلك , والأم الانجليزية تضرب ولدها حين لا يجيد الحديث بهذة اللغة وتقول له لست انجليزيا إن لم تتحدها بطلاقة . ومن الطريف أن أسوق تجربة قام بها أحد الأساتذة في الكويت مع طفله الذي كان في الخامسة من عمره حيث عوده أبوه على التحدث معه بالفصحى حتى في داخل البيت فإذا تحد ث مع أبيه نطق الفصحى , وإذا تحدث مع سائر أفراد الأسرة تحدث بالعامية كما يحدثونه , وتقدم الأستاذ بهذه التجربة إلى الندوة العلمية التي عقدت في الكويت عام 1981 م وأثبتت أن الأسرة هي المسوؤلة الأولى عن لغة الطفل 2 – إهمال الأسرة إثراء حافظة الطفل بحفظ أجزاء من القرآن الكريم وبعض الأحاديث ووصايا الحكماء وخطب البلغاء 3 – عدم الاهتمام بوجود مكتبة عربية في كل منزل تحتوي على كتب أدب الأطفال وكتب التفسير الميسرة 4 – اشتمال البيوت على الخدم والمربيات والسائقين الذين هم من أصل غير عربي فيسمع الطفل منهم ما يقوض لغته , وفي المانيا لا يسمح للعامل أن يعمل الإ بعد أن يتعلم الالمانية حتى لا يتحدث بغيرها 5 – جهل الأسرة العربية بجوانب كثيرة من الأسس التربوية الخاصة بتعليم اللغة الفصحى وقد أقيم مؤتمر قبل عدة شهور عن لغة الطفل العربي في عصر العولمة نظمه المجلس العربي للطفولة بالتعاون مع جامعة الدول العربية وخرج بتوصيات مهمة سوف نوزع على حضرتكن نسخا منها .
واقع العربية في المؤسسات التعليمية : إن الواقع يؤكد أن معظم المدرسين في المراحل التعليمية المختلفة يخالفون النظم والقوانين التعليمية والأسس التربوية , ويستعملون لغتهم العامية في التدريس , حتى في حصص اللغة العربية , وإذا كان ذلك أمرا مرفوضا في المراحل التعليمية الثلاث , التي تسبق ال***لة الجامعية فهو في الجامعة أشد مخالفة وأخطر أثرا .
وذلك لأن طالب الجامعة قد درس الفصحى دراسة نظرية تجاوزت عشر سنوات من عمره على الأقل , ومخاطبته في قاعات الدراسة بالعامية تتضمن الاعتراف بأن دراسته النظرية لم تثمر شيئا واضحا في صقل لسانه وتقويم لغته . ومن ناحية أخرى فإن ال***لة الجامعية هي قمة السلم التعليمي لمعظم خريجي الجامعات , وهي التي تؤهلهم لتحمل مسؤولية المشاركات العملية في النهوض بالمجتمع .
ونسأل لماذا يلجأ معظم المدرسين للتحدث والتدريس باللغة العامية اعتقد أن ذلك يرج لأسباب منها : 1 – شيوع العامية في التعبير والحديث والحوار , حيث أنها لغة سواد الناس , المثقفين والمفكرين في حياتهم الخاصة , وتعاملهم مع الناس 2 – سهولة العامية إذ أنها تجري على الألسنة عفو الخاطر , بلا جهد ولا رعاية قواعد 3 - إن الأساتذة أنفسهم تخرجوا على يد أساتذة ومعلمين يدرسون ويشرحون بالعامية 4 – ظن بعض الأساتذة أن الطلاب يصعب عليهم فهم الفصحى , مع أن الطلاب خارج قاعات الدراسة يقرؤون الصحف ويستمعون إلى نشرات الأخبار والبرامج بالفصحى ويفهمونها 5 – نظم التعليم في كثير من البلاد العربية , لا تضع لغة المدرس من ا لأسس التي يقوم عليها تقويمه 6 – بعض الأساتذة تخرجوا من جامعات غير عربية , وليس لديهم القدرة على الحديث بالفصحى 7 – عدم إدراك كثير من المدرسين خطورة انتشار العامية , وهجر اللغة العربية , وأن وراء ذلك إبعاد شبابنا عن ثقافتهم الإسلامية , وإضعاف انتمائهم الديني
وقد نتج عن هذا آثار ملموسة نلخصها في الآتي : 1 – إن العامية اتسع مجالها , وأصبحت لغة التفاهم والتخاطب في قاعات التدريس , بل وكل أوجه النشاط الجامعي 2 – لم يعد للطلاب عامية واحدة , بل تداخلت عامياتهم المختلفة باختلاف بيئاتهم , وعاميات أساتذتهم الذين ينتمون لأقطار عربية مختلفة 3 – لم يعد لتدريس اللغة العربية بفروعها المختلفة مردود ملموس في الارتفاع بمستوى لغة الجامعيين , ولأن فاقد الشئ لا يعطية فمدرس اللغة العربية يدرس بالعامية كما درس 4 – ضعف التحصيل العلمي , نتيجة اختلاف الشرح والتوضيح عن لغة الكتب التي دونت بها المادة العلمية بالفصحى 5 – ضعفت صلة الطلاب بالمراجع والمصادر , لما يجدونه من الصعوبة في قراءتها وفهمها 6 – شاعت الأخطاء اللغوية في إجابات الطلاب التحريرية بشكل يندى لها الجبين , وضعفت ملكة التعبير والخيال لدى الطلاب , بالإضافة إلى تعثر ألسنتهم عند القراءة – ومن واقع التجربة العملية رأيت كثيرا من الطالبات يهربن من القراءة , خوفا من الخطأ وينسحب هذا على قراءة القرآن الكريم , واسألن مدرسات القرآن عن ذلك 7 – تأثر المستوى العلمي للوافدين لتعلم اللغة العربية , وهذا ما بعاني منه في الطالب في معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها 8 – ترسخ في نفوس طلابنا الادعاء الذي حرص أعداء ديننا على إشاعته بيننا وهو صعوبة اللغة العربية وهذا غيض من فيض , والأمر جد خطير ما لم نتداركه ومن المقترحات التي ترتقى بهذا المستوى : 1. الاهتمام بلغة الطلاب في الأعمال الفصلية , وعقد اختبار للراغبين في الالتحاق بقسم اللغة العربية أسوة بالملتحقين بقسم اللغة الانجليزية 2. أن تكون لغة المدرس في كل مراحل التعليم موضع نظر في تقويمه , وكذلك لغة الباحث من طلاب الدراسات العليا 3. الحرص على أن تكون الفصحى لغة الحديث في الوسط الجامعي , تدريسا وحوارا في الاجتماعات والندوات والمناقشات 4. إيجاد لجنة استعلامات لغوية تعمل على عمل الندوات واللقاءات والبرامج التي تهدف إلى المحافظة على اللغة 5. تزين مداخل وطرقات وقاعات التدريس بلوحات تذكر بفضل التحدث بالفصحى , وتنفر من العامية . 6. عقد مسابقات بين الطلاب في الإلقاء والخطابة والمحادثة وحفظ القرآن والحديث بصفة مستمرة 7. أن يكون الاختبار شفويا وتحريريا في مواد النصوص والنحو والحديث 8. استبدال الكلمات الاجنبية بكلمات عربية مثل بكالوريوس وماجسير ودكتوراه واكاديمي وغير ذلك 9. إصدار قرارات مسئولة تقضي باعتبار الخطأ في اللغة ليس عيبا أو نقصا بل خروجا عن القانون , كما هو حاصل في فرنسا وغيرها 10. نشر دروس النحو في المساجد بجوار الدروس الشرعية .
ثالثا وضع اللغة في وسائل الإعلام وأثرها في ضعف اللغة لا يغفل أحد دور وسائل الإعلام في حياة الناس , وبخاصة بعد تطورها , واستحداث وسائل جديدة , أصبحت تقتحم على الإنسان أخص مكان في بيته , وقد أصبحت أجهزة المذياع والتلفاز جزءا لا يتجزأ من أثاث أدنى بيت وأعلاه , وتطورت هده الأجهزة حتى أصبح منها ما يحمله الإنسان , ويمضي به ذهابا وجيئة , يستمع لحديثه وينصت لأخباره ويأتي مع المذياع والتلفاز الصحف والمجلات , وهي من وسائل الإعلام التي انتشرت انتشارا واضحا , وقد أصبحت هده الوسائل تشكل خطرا كبيرا على اللغة الفصحى . د/فائزة سالم صالح احمد | |
|