عدد المساهمات : 419 تاريخ التسجيل : 20/08/2009 العمر : 41
موضوع: لماذا خلق الله الإنسان؟ ما هي الحكمة من خلقه؟ الخميس أغسطس 27, 2009 2:41 pm
[color:bdbf=darkred
]بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. .. أما بعد .. قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(49): سؤال يطرح نفسه على العقول ويطلب الإجابة عليه دائماً فما هو هذا السؤال وما هي الإجابة عليه. السؤال هو: لماذا خلق الله الإنسان؟ ما هي الحكمة من خلقه؟ وماهي الغاية التي يسعى إليها، والنهاية التي سيصل إليها؟. والجواب: هذا السؤال قد ضلت في الإجابة عليه العقول وتحيرت فيه الفهوم وتخبطت فيه مدارك الفلاسفة والحكماء والعلماء والعباقرة من ذوي الفهم الثاقب والذكاء الخارق فضلاً عن غوغاء الناس لا يستثني من ذلك إلا العقول التي استنارت بوحي الله واهتدت بهداه واتبعت رسله فهي التي عرفت الإجابة عن هذا السؤال بالتلقي عن الله وعن رسله ومن هنا نعلم علم اليقين أن العقل لا يمكن أن ينفرد بعلم العقيدة لأنه علم يرتبط بالغيبيات والغيبيات إذا نطق فيها العقل بعيداً عن الوحي ضل وتاه وارتبك وتخبط تخبطاً عجيباً وتصور تصوراً غريباً(1) ذلك لأن العقل ماهو إلا أداة لتصور المعلومات التي تصل إليه من طريق الحواس ومتى تجاوز ما يحيط به في الأرض وقع في متاهات كبيرة وانحدر إلى مزالق خطيرة قال تعالى {أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}(2).
نعم بإمكان العقل أن يستدل من خلال مشاهداته ومسموعاته أن ربه وخالقه ورازقه هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ذو القدرة العظيمة والحكمة البالغة والعلم الشامل والألطاف الخفية قال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم، إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون. أولم يرو أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}(3). وإذا علمت أن العقل عاجز عن الاستقلال بمعرفة الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان فعليك أن تتعرف على الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم الذي قال عنه منزله جل وعلا {ما فرطنا في الكتاب من شئ}(4) بين حكماً وأحكاماً هي أقل شأناً من هذا الأمر العظيم كيف لا وهو أهم المهمات وأعظم الواجبات إذا فالحكمة التي خلق الله الإنسان من أجلها هي العبادة قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(5) فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الجن والإنس للعبادة فالعبادة هي الحكمة التي من أجلها خلقوا ومن أجلها خلق الله السموات والأرض والدنيا والآخرة والجنة والنار ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وسن الأحكام وبين الحلال والحرام ليبلوكم أيكم أحسن عملاً قال تعالى:{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}(6) وذلك أن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار وأخبرهم أنهم سينتقلون إلى دار أخرى وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ونهيه فمن انقاد لأمر الله أحسن الله له الجزاء في الدار الاخرة ومن مال مع شهوات النفس ونبذ أمر الله وارتكب نهيه فله شر الجزاء"(7). فالعباد جميعاً خلقوا للعبادة ولكن لما كان منهم من خلق للعبادة من دون ابتلاء بمضاد كالملائكة فهذا القسم صارت العبادة سجية لهم لا يريدون غيرها قال تعالى عنهم: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}( ومنهم من خلق للعبادة مع ابتلاء بمضاد كالجن والإنس الذين جبلوا على خلائق وسجايا تنأى بهم غالباً عن الطاعة وتوقعهم في المعاصي ابتلاء من الله لهم وذلك كالابتلاء بالشهوات، شهوة المطعم وشهوة المشرب، وشهوة المنكح، وشهوة القهر، والتغلب، والاستعلاء إلى غير ذلك.
وكما ابتلاهم بقرناء السوء وبالشبه التي تلقى في قلوبهم الشكوك لأن إيمانهم بالغيب. وفوق ذلك الابتلاء بالشيطان الرجيم ذلك العدو اللدود المتربص الذي مازال منذ أن أخرج أبانا آدم من الجنة حريصاً على إغواء بنيه وإيقاعهم في الكفر والشرك والفسوق والعصيان لذلك كانت العبادة في حقهم ابتلاء واختباراً للدواعي المضادة لها فمن استجاب لتلك الدواعي والنوازع وأطاع الشيطان كان من الغاوين الذين يستحقون دخول النار كما قال تعالى {قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}(9) وأما من قدم طاعة الله وحرص على رضاه واتبع رسله والتمس حل الشبهات من شرعه واستعمل الشهوة فيما أباح الله فذلك هو المؤمن حقاً الموعود بالدرجات العلى في جنة الفردوس. وأما الغاية التي يسعى لها فهي تختلف باختلاف الناس وثقافاتهم وعقائدهم فمنهم من عرف ربه وعرف حقه عليه وآمن بلقائه وعلم قدر الدنيا وأنها ما هي إلا معبر ومنفذ ومطية إلى الآخرة فأخذ منها ما يصلحه وتزود منها ما يوصله إلى رضى ربه وجنته، وتلك هي الغاية التي يسعى لها. ومنهم من جهل ذلك ولم يعرف ربه ولم يؤد حقه ولم يؤمن بلقائه بل ظن أن الدنيا وحياتها ولذاتها هي الغاية فسعى لها ورضي بها واطمأن إليها وشمر في جمعها وأفنى عمره في لذاتها، وتلك هي غايته التي يسعى إليها ولقد تحدث القرآن الكريم عن القسمين وبين حال كل من الفريقين فقال تعالى وهو أصدق القائلين: {إن الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم إن عن آياتنا غافلون، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}. {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}(10). قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسير هذه الآيات {إن الذين لا يرجون لقاءنا} أي لا يطمعون بلقاء الله الذي هو أكبر ما طمع في الطامعون وأعلى ما أمله المؤملون بل أعرضوا عن ذلك وربما كذبوا به {ورضوا بالحياة الدنيا} بدلاً عن الآخرة {واطمأنوا بها} أي ركنوا إليها وجعلوها غاية أمرهم ونهاية قصدهم فسعوا لها وانكبوا على شهواتها بأي طرق حصلت حصلوها ومن أي وجه لا حت ابتدروها قد صرفوا إراداتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها وكأنها ليست بدار ممر يتزود فيها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون {والذين هم عن آياتنا غافلون} فلا ينتفعون بالآيات القرآنية ولا بالآيات الآفاقية والنفسية. والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود {أولئك} الذين هذا وصفهم {مأواهم النار} أي مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها {بما كانوا يكسبون} من الكفر والشرك والمعاصي. فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين فقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي جمعوا بين الإيمان والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح على وجه الإخلاص والمتابعة {يهديهم ربهم بإيمانهم} بسبب ما معهم من الإيمان يثيبهم الله أعظم الثواب وهو الهداية فيعلمهم ما ينفعهم ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية ويهديهم للنظر في آياته ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم ولهذا قال {تجري من تحتهم الأنهار} الجارية على الدوام {في جنات النعيم} أضافها الله إلى النعيم لاشتمالها على النعيم التام نعيم القلب بالفرح والسرور والبهجة والحبور ورؤية الرحمن وسماع كلامه والاغتباط برضاه وقربه ولقاء الأحبة والإخوان والتمتع بالاجتماع بهم وسماع الأصوات المطربات والنغمات المشجيات والنظرات المفرحات ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك مما لا تعلمه النفوس ولا خطر ببال أحد أو قدر أن يصفه الواصفون.
{دعواهم فيها سبحانك اللهم } أي عبادتهم فيها لله أولها تسبيح وتنزيه له عن النقائص وآخرها تحميد لله فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء وإنما بقي لهم أكمل اللذات الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب وتفرح به الأرواح وهو لهم بمنزلة النفس من دون كلفة ومشقة أما تحيتهم فيها فيما بينهم عند التلاقي والتزاور فهو السلام كلام سالم من اللغو والإثم، وموصوف بأنه سلام {وآخر دعواهم} إذا فرغوا {أن الحمد لله رب العالمين}(11)اهـ وقد تبين من هذا أن المقاصد التي يسعى لها العباد مختلفة بحسب ما في قلوبهم من العلم والجهل والإيمان والكفر والتصديق والتكذيب. فالمؤمن الخالص يسعى للآخرة فقط فهو وإن باشر الدنيا ببدنه وحرص عليها بقلبه فإنه لا يريدها إلا للآخرة كقوله تعالى {ومن آراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً}(12) والكافر الخالص يسعى للدنيا فقط لأنه لا يؤمن إلابها ولا يركن إلا إليها قال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً}(13) والمسلم العاصي بين ذلك وهو لما غلب عليه. وأما النهاية التي سيصل إليها فهي الدار الاخرة إما في الجنة أبداً وإما في النار أبداً قال تعالى {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه، فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبوراً ويصلى سعيراً}(14).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ (1) إن من يقرأ في كتب الملل والنحل يرى أموراً غريبة وتصورات عجيبة تثير الاستغراب ويستبعد الإنسان أن يصدقها العقل. (2) سورة الأنعام آية: 122 (3) سورة السجدة آية 26ـ27. (4) سورة الأنعام آية 38. (5) سورة الذاريات آية: 56. (6) سورة الملك آية: 2. (7) تفسير السعدي (7/429) بتصرف. ( سورة الأنبياء آية: 26،27،28 (9) سورة ص الآيات: 84،85. (10) سورة يونس الآيات: 7،8،9،10 (11) (3/328ـ332) من تفسير السعدي. (12) سورة الإسراء آية: 19. (13) سورة الإسراء: آية 18. (14) سورة الإنشقاق الآيات من 6ـ12