أسد الصحراء عمر المختار
77 عاماً على رحيل جسده وخلود ذكراه
من قال أن الموت دائماً يرمز للفناء، فهل تعلم عزيزي القارئ متى يكون عنواناً للخلود، الإجابة أنها حالة الشهداء، المدافعين عن أوطانهم فيسقطون وهم يجودون بأغلى ما يملكونه نعم يبذلون أجسادهم وأرواحهم من أجل أن يتحرر الوطن من الغاصبين كي ينعم باقي أبناء الشعب بالحرية، وبطل هذا التقرير لقب بشيخ المجاهدين.. وأسد الصحراء، فهذه بعض الألقاب التي حصل عليها البطل الليبي الأسطورة عمر المختار، فهو القائد العربي المسلم، أحد شهداء الحرية، الذي ضرب المثل الأعلى في صموده وثباته ومقاومته حتى آخر أيام حياته،حيث حارب الغزاة الإيطاليين أكثر من عشرين عاما بلا مهادنة في أكثر من ألف معركة منذ دخولهم أرض ليبيا إلى يوم اعتقاله.
ولد عمر المختار عام 1862، وتم إعدامه من قبل الاحتلال الإيطالي يوم 16 سبتمبر 1931.
أبيه: المختار بن عمر بن فرحات.
أمه: عائشة بنت محارب.
* كان أبيه من بيت غيث من قبيلة بريدان وهي بطن من قبيلة المنفة وهي إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة.
* ولد في قرية جنزور بمنطقة دفنة، التي تقع في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية.
* تربى يتيما، حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.
* تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور, ثم سافر إلى الجغبوب القرآنية حيث قضى بها 8 سنوات استطاع بلباقته ومهارته اكتساب ثقة معلميه، مما ساعد على انتقاله إلى الكفرة وأسند إليه منصب شيخ زاوية القصور بها عندما بلغ من العمر40 عاماً.
* تعلم بالكفرة على يد كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسى قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
* تزوج المختار من ثلاث زوجات في حياته، كانت الزوجة الأولى من أقاربه المنفه توفيت بعد سنوات قليلة من اقترانه بها، أما الثانية فقد كانت ابنة أحد أعيان البلاد ، والزوجة الأخيرة فقد كانت ابنة أحد المجاهدين توفيت خلال معركة وقعت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار والقوات الإيطالية عام 1927م.
نبوغ وموهبـــة
ظهرت علي البطل الأسطورة عمر المختار علامات النبوغورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".
وقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم.
كما امتاز عمر المختار بذكاء متوقد حاضر البديهة، بالإضافة إلي أنه كان مثقف واسع الاطلاع خاصة في الأمور الدينية.
وكان المختار نقياً ورعاً عاش فقيراً طيلة حياته، فمنذ عام 1922م، إلى أن تم القبض عليه بقي على الجبل يقضي معظم أيام حياته في التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة، التي كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية .
جهاد لا ينقطع
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م, وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, وكان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة، حيث قابل السيد أحمد الشريف, وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين، حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة.
وبعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922, وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار.
وبعدما تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان سافر إلي مصر عام 1923م؛ للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد, وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين, فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة, وتولى هو القيادة العامة.
استطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15عام ببراعة ضد القوات الإيطالية، فقد كان العقل المفكر للمجاهدين في برقة ، حيث قام بحشد وتدريب بالإضافة إلى تنظيم وقيادة المجاهدين بكل مهارة ورباطة جأش وعزيمة قوية لم تعرف الاستسلام في مقاومة القوات الإيطالية الفاشستية المجهزة بمختلف الأسلحة المتطورة، وجعل قادتها العسكر يشعرون بالخيبة والفشل بعد كل معركة يخوضها ضدهم.
وكان المختار من أنشط المجاهدين ضد القوات الإيطالية بعد أن احتلت إيطاليا بنغازي، حيث كان يقوم بحث القبائل العربية علي الجهاد وتدريب رجالها على السلاح، بالإضافة إلى أنه كان قد رفض عقد أية اتفاقيات من شأنها الخضوع للحكومة الإيطالية.
كما حاول في يونيه عام 1922م تكوين تحالف إسلامي مع الزعماء الوطنيين بإقليم طرابلس من أجل محاربة القوات الإيطالية .
وبإصرار واصل المختار الحرب ضد القوات الإيطالية بالرغم من قلة المؤن والعتاد، بالإضافة إلى هروب الكثير من الشخصيات المرموقة إلى مصر وغيرها إلى البلدان المجاورة.
ونتيجة صمود المختار والمجاهدين معه عمدت إيطاليا إلي كل الحيل الممكنة للقضاء عليه، ولذا عملت علي تعيين غرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية، ليقوم بدوره بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها.
وفي معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها غراتسياني فقال: "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما".
وقد حالفه الحظ بالفعل يوم سقوط عمر المختار، والذي لم يصدقه أثناء وجوده في إيطاليا، حتى صمم علي رؤيته بعينه يوم القبض عليه عندما عاد إلي ليبيا.
مواقف مشهودة
صورة نادرة للمختار كما الطقتها له الفاشيست بعد أسره
كان مشهود لعمر المختار ثباته وحكمته وصبره ورباطة جأشه، وظهر ذلك جليا من خلال مواقفه، والتي نرصد منها، أنّ إيطاليا حاولت بواسطة عملائها الاتصال به وعرضت عليه بأنَّها سوف تقدّم له المساعدة إذا ما تعهَّد ملازمة بيته تحت رعايتها، وأنَّ حكومة روما مستعدَّة بأن تجعل منه الشخصية الأولى في ليبيا كلّها، وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهّد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهَّد حكومة روما بأن توفِّر له راتباً ضخماً، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورةٍ سرّية وتوفير الضمانات له. كما طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع عن فكرة القيام في وجه إيطاليا.
ولكنه رفض كل هذه الإغراءات من أجل الجهاد والوقوف في وجه المعتدين وخروجهم من بلده ليبيا.
وقد أكَّد المختار هذا الاتصال لمَّا سئل عن ذلك، وقال:
"ثقوا أنّني لم أكن لقمةًَ طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغيِّر من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإنَّ الله سيخيّبه .. ولست من المغرورين الذين يركبون رؤوسهم ويدّعون أنّهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، إنّني أعيذ نفسي من أن أكون في يومٍ من الأيام مطيَّة للعدوِّ وأذنابه فأدعو الأهالي بعدم الحرب ضدَّ الطليان".
وموقف آخر يشهد له بالشجاعة والإصرار على الجهاد ضد الأعداء دون الالتفات إلي ما يقوله الآخرون، فعندما خرج من مصر عام 1923 م قاصداً برقة لمواصلة الجهاد، اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن، وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنَّه قد بلغ من الكبر عتيّا وأنَّ الراحة والهدوء ألزم له من أيّ شيءٍ آخر وأنَّ باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعّم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً حيث قال لمحدّثيه:
"إنَّ كلَّ من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي؛ لأنَّ ما أسير فيه إنَّما هو طريق خير، ولا ينبغي لأحدٍ أن ينهاني عن سلوكها، وكلّ من يحاول ذلك فهو عدوٌّ لي ".
أما صبره فيدل عليه هذا الموقف، حيث أنه وبعد أن ضيق العدو الإيطالي الخناق على المجاهدين في برقة، بعث برسالة إلى أحد أصدقائه في مكَّة، كما أوردها د. رفعت عبد العزيز في كتابه "عمر المختار من خلال الوثائق الإيطالية"، جاء فيها:
"إنّ المجاهدين يعانون من نقصٍ في كلِّ شيءٍ ضروري للحرب، ضدَّ عدوٍّ يمتلك كلَّ شيءٍ حتى الطائرات، وإنَّه لكي يقاوم المجاهدون فإنّهم لا يملكون إلا صبرهم".
ورغم تلك الظروف البالغة الصعوبة فقد أصرَّ عمر المختار على البقاء في أرض الوطن وعدم مغادرته وكان يقول:
"لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربّي والموت أقرب إليَّ من كلِّ شيءٍ فإنّي أترقّبه بالدقيقة".
كما أنه كان كثير الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى:
"اللهم اجعلْ موتي في سبيل هذه القضية المباركة".